إليزابيث وارن في مقابل ميشال عون
شبلي ملاّط
ترجمة نسرين ناضر عن الانكليزية
23 حزيران 2016
اليزابيث وارن تشعل الأجواء حماسة. يكفي أن تمضي 30 دقيقة في الاستماع إليها تدلي بمحاججة وافية ودقيقة وبليغة عن ترامب "العنصري" و"المتنمّر" الأحمق "الذي تزعجه الانتقادات"، وتقوّض هجومه على سيادة القانون في أميركا.
وارن هي الظاهرة الجديدة المسيطِرة والإيجابية في حملة سياسية مبتذلة في الولايات المتحدة. الآن بعدما أصبح المشهد منقسماً بوضوح بين مرشّحَين مفترضَين، لكل منهما خزانته المليئة بالهياكل العظمية، وحدها وارن تعيد الثقة بمنظومة تهدّدها فاشية ترامب ومحسوبيات هيلاري. انتشر خبرٌ الأسبوع الماضي مفاده أن كلينتون ستختار وارن لمنصب نائبة الرئيس. نأمل بأن تفعل، كي تستعيد أميركا روح اللياقة والشجاعة. كما هي الحال منذ انتصار أميركا في الحرب العالمية الثانية، نراقب جميعنا، كل أربع سنوات، المشهد الأميركي بمزيج من الفضول والخشية. عندما تعطس واشنطن، نصاب بالزكام، يكفي في هذا الصدد أن نرصد التأثير الذي مارسته الزيارة التي قام بها مسؤول صغير في وزارة الخزانة الأميركية على المنظومة المالية اللبنانية بكاملها. ثمة طرق كثيرة لمراقبة أميركا، لكن لسوء الحظ ليست هناك طرق كثيرة للتأثير فيها من الخارج. إذاً من الأجدى التشبّه بما هو الأفضل في أميركا، والأفضل اليوم هو إليزابيث وارن، المثقّفة الكفيّة التي تتحلّى بالقيم الأخلاقية، وهي صوت شجاع يشكّل حاجة ماسّة في عالمنا.
أينما نظرنا نجد متنمّرين على طريقة ترامب. لا حاجة بنا في هذا الصدد إلى تعداد الديكتاتوريين القابعين في مناصبهم على طريقة آل الأسد: خامنئي، والبشير، والحكّام المسنّين في الخليج. أما بالنسبة إلى القادة الجدد، فهم يخنقوننا أيضاً بتنمّرهم وتعجرفهم وعنفهم. السيسي وأردوغان نسختان عن ترامب نجحتا في الوصول إلى السلطة. في الفيليبين، يتولّى دفة القيادة رجل يعتزّ بفرَق الموت التي أنشأها لقتل أكثر من ألف شخص. وفي النمسا الشهر الفائت، نجحنا مع بضع مئات الأصوات فقط في إحباط صعود نسخة عن هتلر بعد نحو قرن على قيام ألمانيا بضم النمسا إليها.
إذاً ظاهرة ترامب معمّمة، ومحور المتنمّرين يثبّت دعائمه. يتعرّف أمثال ترامب في العالم بعضهم الى بعض ويعزّز كل منهم الآخر. مواطنو العالم الصادقون، وغير العنفيين، والمثقّفون (نعم مثقفون، إنما من دون أن يتلقوا تحصيلهم العلمي في جامعة ترامب)، والذين يتقيّدون بالقوانين، هم في موقع الدفاع. بوتين يقتل في موسكو وفي حلب، في حين أن قائمة زوّاره بدءاً من نتنياهو الذي يفكّر في الطريقة نفسها، تتوسّع أكثر فأكثر.
وضعت إليزابيث وارن، بمفردها تقريباً، حداً لهذا كله الأسبوع الماضي. نحتاج إلى أشخاص من طينة وارن في كل مكان. فليسامحني الله، لكن السبب الأساسي وراء تفشّي ظاهرة ترامب في مختلف أنحاء العالم هو انكفاء أوباما الانعزالي. سأتوقّف في مقال آخر عند هذه القراءة التي تبدو غريبة في الظاهر. أكتفي هنا بأن ألفت بإيجاز إلى أنه منذ انكفاء أوباما في المسألة السورية عام 2011، وتركِه متنمّراً دمشقياً ينتصر على ثورة ساحقة غير عنفية، فيما جمع الأخير حوله المتنمّرين الآخرين الذين وضعتهم ثوراتنا الشرق الأوسطية في موقع الدفاع، يشهد العالم صعود الفاشية والعنصرية الذي يبدو أنه من المستحيل كبحه، والذي يجسّد ترامب اليوم أوضح مخاطره. المسألة الملحة الآن هي معرفة السبيل للتصدّي لأمثال ترامب في العالم، وإليزابيث وارن تقدّم لنا مفتاح الجواب.
ميشال عون هو ترامب اللبناني. إنه يمنع منفرداً انتخاب رئيس للجمهورية. تشير الأدلة إلى أنه يكفي أن يتخلّى عن آفة "أنا أو لا أحد"، هذه الـ"ترامبية" النرجسية التي نجدها لدى المتنمّرين والديكتاتوريين، حتى يصبح لدينا رئيس في لبنان. ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر. في التاريخ اللبناني الحديث، فعلها الجنرال الانقلابي مراراً وتكراراً. لبنان من دون رئيس منذ عام 2014 لأن عون لا يريد أن يسمح للبلاد بالسير نحو الأمام، لكنه فعل ذلك مرتَين من قبل. في 1988-1989، تشلّعت أوصال البلاد بسبب الانقلاب الذي قام به، وما أعقبه من قصف واسع النطاق للأحياء ذات الأكثرية الشيعية في بيروت، في مسعى متهور للاستيلاء على السلطة، والذي أدّى أيضاً إلى سيطرة الديكتاتور السوري على كامل البلاد. وعام 2005، بعيد عودته من المنفى التي تحققت بفعل ثورة الأرز، وقف عون عائقاً دون عزل إميل لحود الذي يشكّل نسخة عنه، لأنه لم يستطع الحصول على انتقال الرئاسة إليه.
على غرار ترامب، لا يستحق عون وعدد كبير من السياسيين المحليين تلطيخ القلم بمجرد ذكرهم. لكن منذ انكفاء باراك أوباما في الملف السوري عام 2011، ومنذ أصبح غائباً عن المنطقة برمتها ("كل ما أحتاج إليه في الشرق الأوسط حفنة من الأوتوقراطيين الصغار"، بحسب قوله)، بات العالم فريسة أشكال متنوعة من الـ"ترامبية". نحتاج إلى أشخاص من طينة إليزابيث وارن من أجل "التصدّي"، كما قالت في ختام خطابها الملحمي، كي يسود القانون واللياقة من جديد.